ملخص لرواية اللص و الكلاب
البعد النفسي في الرواية :
ببدو سعيد مهران شخصية غير متوازنة وغير متزنة بسبب كثرة أخطائها في إصابة أهدافها،
كما أنها تعاني من الصراع الداخلي ومن التمزق النفسي الناتجين عن خيانة زوجته نبوية
وصديقه عليش سدرة وأستاذه رؤوف علوان الذي كان يعلمه النضال والثورة على الفقر عن طريق
سرقة الأغنياء بطريقة فردية أو بطريقة جماعية منظمة، وكان منبهرا بصوته الثوري القوي
وبمبادئه الاشتراكية الرائعة التي تسوي بين الفقراء والأغنياء في تقسيم ثروة الوطن
وتوزيعها بعدالة على الشعب وأبناء المجتمع، بيد أن هذه الشعارات كانت جوفاء فارغة من
كل معنى.وقد أصبحت هذه الشخصية شخصية عدوانية حاقدة تريد الانتقام والثار جاءت لتشعل
النار في أجساد الخائنين والماكرين الخادعين الذين زجوا به في السجن كيدا وخديعة.
ومن ثم، يتسلح سعيد مهران بالمسدس ليصفي حساباته مع كل الأوغاد الذين فرطوا في قيم
التلمذة والصداقة و المحبة غير أن عبثية الحياة جعلته يخطئ هدفه قتله للأبرياء والبوابين.
البعد الاجتماعي في الرواية :
إن رواية اللص والكلاب
حبلى بالأبعاد النقدية ذات الطابع الاجتماعي و تتجلى في نقد الواقع وتشخيص عيوبه ومساوئه
الكثيرة ولاسيما تفاوته الاجتماعي والطبقي الذي ينم عن انعدام العدالة الاجتماعية في
المجتمع المصري إبان الثورة الاشتراكية. وهناك الوظيفة الإيديولوجية التي تكمن في نقد
التيار الاشتراكي والتجربة الناصرية التي ترتبت عنها خيانة المبادئ الاشتراكية الكبرى.
لقد حاول نجيب محفوظ رصد كل هذه الحمولة المرجعية الاجتماعية في إقحام جمل من الشخصيات
المتناقضة في تصوراتها ومبادئها فما رؤوف علوان إلا نموذج للانتهازية إبان الخمسينيات
وفترة الستينيات. لأنه نوع واع في خيانته يختلف في خيانته عن خيانة عليش ونبوية ، لقد
كان المثل الأعلى لسعيد مهران ، وهو الذي فلسف له اللصوصية بأنها ليست جريمة بل عدل
اجتماعي، بينما تشكل خيانة نبوية وعليش صورة جديد من أشكال الخيانة التي طبعت المجتمع
المصري بل والمجتمع الإنساني ككل خيانة من الأقارب والأصحاب والأحباب.
الشخصيات: سعيد مهران : إن سعيد مهران كما يتضح من خلال الصور الروائية الجزئية والبناء الكلي لدلالة العمل
رمز للوطنية الصادقة والروح الشعبية الحقيقية والنضال الاجتماعي المستميت من أجل المبادئ
والقيم الأصيلة. وقد كان بمثابة نبراس يستضيء به الكثيرون من أبناء الشعب الكادح والمقهور
في حياتهم التي يسودها النفاق الاجتماعي والابتزاز اللامشروع باسم النضال. إن شخصية
سعيد مهران لهي شخصية متمردة عن قيم المجتمع ومبادئه الزائفة التي طالما دنست كرامة
الإنسان وأنفته.شخصية سعيد مهران يرمز إلى
ابن الحارة الضال الذي يعيش الفراغ والوحدة ويتطلع إلى الخلاص، يرمز إلى الظالم
والمظلوم الذي يريد تحقيق العدل. يرمز إلى ضياع الإنسان المعاصر هو البطل وهو يرمز إلى صراع الإنسان الذي بين إرادتين: إرادة الفرد الذي فقد اتجاهه وضيق عليه ، وبين
الكلاب التي تنبح عليه وبما إن اسمه سعيد فان
الكاتب يقصد من هذا الاسم السخرية لان سعيد عاش تعيسا وحزينا.وفاشلا في إصابة
أهدافه.
رؤوف علوان: إن اسم رؤوف
علوان يتكون من قسمين الأول الذي هو أيضا في بداية القصة الاسم الذي يرمز إلى الرأفة
لأنه يرأف لحال سعيد مهران ويقدم له المساعدة ويعلمه المبادئ والقيم ومساعدته في إيجاد
عمل بعد وفاة والده لكن هذه الرأفة كاذبة وغير نابعة من قلب رؤوف لأنه خائن لكن القسم
الأخر من الاسم أي نهاية القصة فهو معنى عكسي للسخرية ، وهو علوان أي أنه يرمز إلى
الاستعلاء بتصرفه مع سعيد مهران بعد أن خرج من السجن لأنه استهزأ بسعيد بعد وصوله إلى
حياة الرفاهية وحياة القصور كما ويرمز رؤوف علوان إلى الإنسان المثقف المزيف والثوري
الناقص الذي يشتري بسهولة لأنه خان المبادىء الفكرية التي كان يتحلى بها.
نبوية وعليش:هما السبب الأول في إطلاق وحش الانتقام داخل سعيد مهران، ولكن على الرغم من ذلك
لم يكلف نجيب محفوظ نفسه عناء أن يقربنا من شخصياتهم أو يعرفنا بدواخل نفسياتهم، وكأن
لسان حاله يقول: "أيها القارئ هذين الخائنين أحقر من أن تعرفهم"، وفي المقابل
حرص كاتبنا على أن نتعرف عن كثب على نور من الجانب اخر من المجتمع الذي يبدو ظاهره
عفنا لكن جوهره طاهر.
نور: ، تلك الوردة الذابلة من كثرة
ما تشممها كل عابر، عاهرة محترفة تهيم عشقا بسعيد، وكل ما تتمناه هو أن يصبح لها، حتى
لو لم يحبها، وهي التي لجأ إليها الطريد لتعطيه الأمان ويعطيها الحب دون أن يشعر نحوها
إلا بالرثاء، وعلى الرغم من أن نور كانت تبيع نفسها لتطعمه، إلا أنه لم ير في ذلك إلا
كل إخلاص...
المعلم طرزان : هو صاحب القهوة التي كان كثيرا
ما يرتاد إليها سعيد مهران ، وقد ساعد سعيد مهران في محاولاته للتخلص من أعدائه الكلاب
حين طلب منه مسدسا وأشياء أخرى عديدة.
الشيخ علي الجنيدي: العلاقة التي ربطت سعيد مهران بالجنيدي هو آن الشيخ من رائحة والده المتبقية بعد
وفاته فقد كان صديق والده بعد أن تخل عن أصدقائه ، فقد قام سعيد مهران بالذهاب إليه من اجل التوصل إلى حل لقضيته وليشكو له هموم
حياته ، ففي هذه الفترة احتاج إليه سعيد مهران فلم يعطه الهدوء والسكينة والإقناع ،
فقط أعطاه الطعام ، لكنه بقي مرهقا لا يجد للراحة سبيلا.
سناء: لقد أحب سعيد مهران ابنته سناء
كثيرا وكان مشتاق إليها حيث أول طلب كان له حال خروجه من السجن هو رؤيتها ، بالرغم
من أنها لم تعرفه ولم تقترب منه بل أنها خافت منه ، إلا أنه اقترب منها وضمها وحضنها
بعمق ، وهذا إن كان يدل فإنه يدل على مدى حبه واشتياقه لابنته الوحيدة
اللغة: وتمتاز لغة نجيب
محفوظ بكونها لغة واقعية تصويرية تستند إلى تسجيل المرجع وتمويهه بلغة تتداخل فيها
الفصحى والعامية المصرية ليقترب أكثر من خصوبة الواقع العربي المصري. كما شحنها
بالطاقة الرمزية و الإيمائية والكنائية. فالكلاب هنا رمز للخونة والانتهازيين
الذين غدروا بسعيد مهران وداسوا على المبادئ التي كانوا ينادون بها كالحرية
والعدالة الاجتماعية ولاسيما رؤوف علوان وزوجته نبوية التي غدرت به وتزوجت عليش
سدره .أما كلمة الأوغاد فهي دلالة على اللصوص الحقيقيين الذين خانوا العهد وفرطوا
في القيم الأصيلة التي كانوا يتشدقون بها. أما الظلام فيتضمن بعدين: بعدا مرجعيا
وبعدا رمزيا، فهناك الظلام باعتباره مؤشرا على سوداوية الفضاء وتأزمه، والظلام
بالمفهوم الكنائي يعني الظلم الاجتماعي والسياسي وضغط الحكومة وجور سلطتها
وانتهازية أعوانها .
المكان: يرصد نجيب محفوظ في هذه الرواية
فلسفة عبثية مدينة القاهرة بفضاءاتها المتناقضة إبان المرحلة الاشتراكية الناصرية في
سنوات عقد الخمسين وسنوات عقد الستين حيث كانت تتميز بالتفاوت الاجتماعي والصراع الطبقي.
ومن الفضاءات التي نستحضرها في هذا النص
الروائي الفضاء العدائي الذي يتمثل في السجن الذي قضى فيه سعيد مهران سنوات عدة منها
أربع سنوات قضاها غدرا وخيانة من قبل عليش ونبوية ورؤوف.بالإضافة إلى المقبرة التي استسلم فيها سعيد للامبالاة والأوغاد
الخونة، والمقهى الذي تحول إلى مكان للمخبرين الذين يتصيدون سعيد للإيقاع به. كما توجد فضاءات حميمية كفضاء التصوف الذي يسهر عليه الشيخ علي الجنيدي،
ومنزل نور الذي يختبئ فيه من أعدائه والمخبرين
.أما فضاء العتبة أو فضاء المأساة والمواقف المتأزمة فيتمثل في الشوارع والمقاهي
المفتوحة والحارات المكتظة بالناس، وميدان القاهرة الذي يغص بالناس من فئات اجتماعية
وطبقية مختلفة. ويمكن تصنيف فضاءات الرواية إلى فضاءات منغلقة كالسجن
وبيت عليش وشقة نور وڤيلا رؤوف علوان، وفضاءات مفتوحة كالرباط الصوفي ومقهى المعلم
طرزان وفضاء الصحراء.
وقد انتقل الكاتب في وصفه والتقاطه
للفضاءات المكانية من لقطات عامة تهدف إلى تصوير فضاء القاهرة، وبعد ذلك ينتقل إلى
لقطات متوسطة لتصوير شوارع الميدان، لينتقل في الأخير بالكاميرا إلى التقاط صورة المقهى
ومنزل عليش. ومن هنا، تتداخل الأمكنة والفضاءات الحميمية والعدائية والمتفاوتة طبقيا
واجتماعيا في مصر الستينيات من القرن الماضي التي كانت تتسم بجدلية الصراع الداخلي
والخارجي. وينقل لنا الكاتب أمكنة متناقضة ، البعض منها يوحي بالغنى والثراء كڤيلا
رؤوف علوان الغاصة بالأشياء الثمينة، والبعض الآخر يوحي بالفقر والفاقة والخصاص كشقة
نور.
السرد: يستند الكاتب في رواية ” اللص
والكلاب ” إلى الرؤية من الخلف واستعمال ضمير الغائب والسارد المحايد الموضوعي الذي
لايشارك في القصة كما في الرؤية من الداخل، بل يقف محايدا من الأحداث يصف ويسرد الوقائع
بكل موضوعية . ؛حيث يملك معرفة مطلقة عن الشخصيات ويعرف كل شيء عن شخصياته المرصودة
داخل المتن الروائي خارجيا ونفسيا، إذ يزيل سقوف الشقق وجدران الغرف من أجل أن يدخل
إلى البيوت لاستكناه أفعالهم وتصوير مشاعرهم الداخلية:” وجلس عند النخلة يشاهد صفي
المريدين تحت ضوء الفانوس ويقضم دومة وينعم بسعادة عجيبة..”
ويتبين لنا من هذا المقطع أن الكاتب يستعمل الرؤية من الخلف وضمير الغائب ورصد
ماهو خارجي وماهو داخلي، كما أن الراوي محايد ينقل لنا الحدث والشخصيات والفضاء من
مكان ما قد يكون قريبا أو متوسطا أو بعيدا. ومن وظائف السارد في الرواية السرد
والحكي، وهذه هي الوظيفة الأساسية للسارد، ووظيفة التنسيق بين الشخصيات، ووظيفة الوصف
من خلال تشخيص الشخصيات ووصف الأمكنة والأشياء ، ووظيفة النقد التي تتجلى في نقد الواقع
وتشخيص عيوبه ومساوئه الكثيرة ولاسيما تفاوته الاجتماعي والطبقي الذي ينم عن انعدام
العدالة الاجتماعية في المجتمع المصري إبان الثورة الاشتراكية. وهناك الوظيفة الإيديولوجية
التي تكمن في نقد التيار الاشتراكي والتجربة الناصرية التي ترتبت عنها خيانة المبادئ
الاشتراكية الكبرى والتعريض بالذين خانوا الثورة باسم العدالة الاجتماعية والثورة على
الملاكين الكبار ومحاربة الطبقية.
وثمة وظائف أخرى يقوم بها السارد يمكن
حصرها في وظيفة التقويم والتعليق، ووظيفة الانفعال، ووظيفة التأثير، ووظيفة تصوير المرجع
الواقعي.
الزمن: يلاحظ أن الزمن
السردي في الرواية زمن صاعد خطي ينطلق من حاضر الخروج من السجن إلى مستقبل الاستسلام
والموت. بيد أن هذا الزمن ينحرف تارة إلى الماضي لاسترجاعه( فلاش باك)، أو إلى المستقبل
من أجل استشرافه.
ويظهر لنا أن نجيب محفوظ يستفيد من تقنيات الرواية
الجديدة ومن آليات السرد الموجودة عند أعضاء تيار الوعي كاستخدام فلاش باك واستشراف
المستقبل وتوظيف الخطاب الحلمي الدال على الغضب والهذيان والتناتوس اللاشعوري الناتج
عن الثأر والانتقام. و يزاوج الكاتب على مستوى الإيقاع بين السرعة والبطء،
ويتجلى إيقاع السرعة في الحذف والتلخيص، أما إيقاع البطء فيكمن في الوقفة الوصفية والمشاهد
الدرامية. كما يعمل نجيب محفوظ على اخفاء بعض المراحل الزمنية
فمن مظاهر الحذف الزمني خروج سعيد مهران من السجن بعد سنوات عديد
العنوان
: من يتأمل عنوان الرواية ( اللص والكلاب)، فإنه سيجده عبارة عن جملة اسمية
بسيطة مركبة من المبتدإ ( اللص)،والخبر محذوف وهو النص بأكمله، وجملة العطف
تتكون من حرف عطف والمعطوف عليه. وتتكون البنية العنوانية من كلمتين بينهما رابط واصل(
عطفي). وينبني العنوان على الاختصار والاختزال والحذف الدلالي. ويحمل العنوان على الرغم من حرفيته بعدا رمزيا فانطاستيكيا
قائما على المسخ والامتساخ المشوه، إذ يشبه الكاتب عليش سدرة ونبوية ورؤوف علوان بالكلاب
الماكرة واللصوص الخادعة الزائفة
نموذج المقدمة: من أهم
مكونات الرواية ومرتكزاتها الأساسية نجد الشخصية الروائية التي تتضافر مع مكونات روائية
أخرى كالفضاء والإيقاع والامتداد والتلقي لتكون عملا روائيا يمكن نعته على مستوى السياق
الجنسي “رواية“. ولايمكن تحديد الشخصية باعتبارها مكونا واستخلاص سماتها إلا بوضعها
ضمن سياقها ووسط خضم الأحداث لمعرفة جوانبها ودورها في الخطاب الروائي
نموذج خاتمــــة: وعلى أي حال، فرواية
” اللص والكلاب” لنجيب محفوظ من خلال أساليبها وطرائق عرضها رواية فلسفية وجودية عبثية
من حيث المضمون تتناول الجريمة والانتقام والثأر بأسلوب السخرية الكاريكاتورية كما تجسد الرواية برؤيتها الواقعية الانتقادية ذات
الملامح الاجتماعية والسياسية عبث الحياة وقلق الإنسان في هذا الوجود الذي تنحط فيه
القيم الأصيلة وتعلو فيه القيم الكمية المنحطة.
وتعتبر هذه الرواية من حيث القالب والبناء
والصياغة كلاسيكية الشكل والنمط ؛ بسبب تسلسل الأحداث وتعاقبها كرونولوجيا وتعاقب الأحداث
زمنيا ومنطقيا ، وهيمنة السرد غير المباشر، وتشغيل الرؤية من الخلف وضمير الغياب، واستعمال
الوصف الواقعي.
والرواية كذلك في مسارها السردي والدلالي والإيقاعي
رواية مأساوية تراجيدية قوامها العبث واللاجدوى واللامبالاة، كما أنها ذات بناء دائري
إلى حد ما تبدأ بالسجن وتنتهي بالاستسلام والعودة إلى السجن مرة أخرى، أو بالسقوط بين
أحضان المقبرة وصمت الموت. وعلى
الرغم من كلاسيكية بناء الرواية، فقد استفاد نجيب محفوظ من تقنيات الرواية الجديدة
ومن آليات الرواية المنولوجية وتيار الوعي أثناء استعمال المنولوج وفلاش باك واستشراف
المستقبل وخطاب الأحلام وتوظيف الأسلوب غير المباشر الحر، كما استفاد كثيرا من الرواية
الواقعية عند بلزاك وستندال وفلوبير، و من الرواية الوجودية كما عند سارتر وألبير كامو
.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire