dimanche 18 janvier 2015

تحليل مؤلف ظاهرة الشعر العربي الحديث



لتيـــــار الإحيـــــائي:
يخضع التطور في الشعر العربي – حسب أحمد المعداوي- إلى أمرين مهمين، وهما: الحرية والاحتكاك بالثقافة الأجنبية.
ومن هنا، يتبين لنا أن الشعر العربي القديم، لم يحقق تطورا ملحوظا بسبب انعدام مما جعل الثبات أوالمحافظة على الأصول هو المهيمن على الشعر العربي القديم ونقده بالقياس مع خاصة التجديد و التحول والتطور.
يقوم التيار الإحيائي في شعرنا العربي الحديث على محاكاة الأقدمين وبعث التراث الشعري القديم وإحياء الشعر العباسي والشعر الأندلسي لتجاوز ركود عصر الانحطاط ومخلفات كساد شعره عن طريق العودة إلى الماضي الشعري الزاهر لنفض الغبار عليه من أجل الخروج من الأزمة الشعرية التي عاشها شعراء عصر النهضة.
ومن أهم الشعراء الذين تزعموا هذا التيار محمود سامي البارودي الذي عاش على أنقاض الماضي والتوسل بالبيان الشعري القديم؛ مما جعل هذه الحركة الشعرية حركة تقليدية محافظة بسبب مجاراتها لطرائق التعبير عند الشعراء القدامى. ومن ثم، فقد كانت العودة إلى التراث الشعري أهم مرتكز يقوم عليه هذا التيار، وبذلك فقد أهمل التعبير عن الذات ورصد الواقع، ولم يحقق تطورا حسب الكاتب بسبب انعدام الحرية الإبداعية و انعدام التأثر الحقيقي بالثقافة الأجنبية.

التيــــار الــــذاتي:
ويعود الاهتمام بالذاتية عند شعراء هذى لسببين يتمثلان أولا: في إعادة الاعتبار للذات المصرية، وثانيا: انتشار الفكر الحر بين المثقفين والمبدعين المصريين.
وعلى الرغم من ذلك، فهذا التيار حسب أحمد المعداوي تيار شعري سلبي ليس إلا؛ لأنه بقي أسير الذات ولم يتجاوزها إلى تغيير الواقع:” والحق أن إيمان شعراء هذه التيار بقيمة العنصر الذاتي، قد استمد أصوله من أمرين اثنين: أحدهما أن شخصية الفرد المصري كانت تعاني من انهيار تام على مختلف المستويات، وأن طبيعة الفترة التاريخية كانت تتطلب منه أن يعيد الاعتبار إلى ذاته، والآخر تشبعهم بالفكر الحر، الذي بسط ظله على العقل العربي، في تلك الفترة من تاريخ الأمة العربية. ولقد أتاح لهم ذلك التتبع أن يعبروا عن أنفسهم بوصفها قيما إنسانية لها وزنها، وأن يكفوا عن محاولة توكيد الذات بمحاكاة النماذج السابقة، ولكنه لم يتح لهم أن يذهبوا برسالتهم الشعرية إلى أبعد من ذلك، فيرتفعوا إلى مستوى الشعار الذي طرحته المرحلة، وهدفت من ورائه إلى وعي الذات لنفسها ولظروفها، وإلى التأهب لخوض المعركة، بغية تغيير تلك الظروف التي منعت المجتمع العربي من التحول وبناء الغد الأفضل، وهذا هو السر في أن أثر الوجدان في شعر هذه التيار كان أثرا سلبيا، يؤثر هدوء الحزن وظلمة التشاؤم على ابتسامة الأمل واستشراف النصر، سواء مع جامعة الديوان التي طغى عليها الجانب الوجداني او مع جماعة الرابطة القلمية التي جمعت مابين الوجدان والذات والهجرة والغربة والوحدة مثلما هو الحال في قصائد ميخائيل نعيمة جبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي .
بل ونجد جماعة الديوان يفرون من الحياة الواقعية إلى الذات المنكمشة، والفرار من المدينة حيال الغاب أو الريف ،وترنح الشعر بكؤوس الحرمان والخيبة واليأس والمرارة ، والمعاناة من الاغتراب الذاتي والمكاني كما في قصيدة” خمسة وعشرون عاما” لعلي الشرنوبي
وبدلك يجمل احمد المعداوي قوله عن هذا التيار الذاتي انه أغرق في الانطواء على هموم الذات الفردية إغراقا تحول في نهاية الأمر إلى مايشبه المرض. نعم لقد انحصر تيار العودة إلى الذات بعد أن استنفد إمكاناته الموضوعية، وتدفق مكانه تيار آخر لم ينكر أهمية الذات إنكارا تاما، بل أراد لهذه الذات أن تفتح نفسها على ماحولها، وأن تقيم وجدان الجماعة مكان وجدان الفرد، ذلك أن المرحلة كانت تتطلب هذا النوع من التآزر بين الفرد والجماعة، وتنفر كل النفور من أية دعوة إلى الانطواء والتفرد والعزلة”.

الظروف التريخية التي افرزت التجربة الشعرية
 
تجربة الغربة والضياع
لم يظهر الشعر العربي الحديث أو مايسمى بشعر التفعيلة إلا بعد نكبة 1948م ،وقد تأثر هذا الشعر الجديد بالمد القومي وانهيار الواقع العربي الفظ الذي زرع الشك في نفوس المثقفين والمبدعين، وأسقط كل الوثوقيات العربية التقليدية والثوابت المقدسة.
كما كان للاحتكاك بالثقافة الأجنبية دور كبير في انفتاح هذا الشعر على كل ماهو مستحدث في الخارج لتجديد آليات الكتابة والتعبير عن التسلح بمجموعة من المعارف والعلوم للسمو بهذا الشعر
ومن الموضوعات التي نصادفها بكثرة في شعرنا العربي الحديث ،تجربة الضياع والتمزق النفسي والاضطراب الداخلي والقلق الوجودي والغربة الذاتية والمكانية
وتتنوع الغربة في أشعار المحدثين لتشمل الغربة في الكون، والغربة في المدينة، والغربة في الحب،..
وتعني الغربة في الكون ميل الشاعر إلى الشك في الحقائق والميل إلى التفلسف الأنطولوجي ( الوجودي)، وتفسير الكون عقلا ومنطقا
أما الغربة في المدينة، فتتجلى في تبرم الشاعر الحساس من المكان الذي حول الإنسان إلى مادة محنطة بالقيم المصطنعة الزائفة، وهذا المكان المخيف هو المدينة العربية المعاصرة التي أضحت بدون قلب أو بدون روح، فالقاهرة بدون قلب عند عبد المعطي حجازي، ونفس الشيء يقال عن بغداد السياب وبيروت أدونيس وخليل حاوي..
وعليه، فقد صور الشعر الحديث المدينة في ثوبها المادي كما عند الحجازي، أو الناس داخل المدينة وهم صامتون يثقلهم الإحساس بالزمن كما في جل أشعار عبد المعطي حجازي في ديوانه” مدينة بلا قلب”.
وإذا كان الشاعر الحديث قد فشل في فهم أسرار الكون ووجوده، وفشل كذلك في التأقلم مع المدينة، فإنه فشل كذلك في الحب الذي أصبح زيفا مصطنعا وبريقا واهما. ومن ثم، تتحول العلاقة بين الزوجين إلى عداوة وقتال كما في قصيدة”الجروح السود” عند خليل حاوي في ديوانه” نهر الرماد”، في المدينة والغربة في العجز. وهذه الغربة تتفرع عنها الغربة في الحياة والغربة في الموت والغربة في الصمت. وهذه النظرة الشمولية للغربة تنطبق أيضا على قصيدة يوسف الخال” الدارة السوداء”. وعلى رغم من سلبية هذه التجربة الشعرية التي تميل الى الذاتية الباكية على غرار الرومانسيين الوجدانيين. الا  أن أحمد المجاطي يدافع عن هذه التجربة بقوله: ان نجاحها يرجع إلى أن الهم الذي عانى منه الشاعر الحديث، لم يكن هما فرديا كالهم الذي أغرق تجربة شعراء التيارات الذاتية، في الظلمة والقتامة، واليأس، إنه هم جماعي نابع من تفتت الأرض تحت أقدامنا، ومن ارتفاع أسوار الحديد أمام كل خطوة نخطوها،نابع من قصر عصر الأفراح، التي تبزغ في سمائنا بين الحين والحين، لا أريد بهذه الكلمة أن أدافع عن تجربة الغربة، ولكن هدفي هو لفت النظر إليها، وعلى الدور الذي لعبته في تهييء الشاعر الحديث لتجربة أخرى… وهي تجربة الحياة والموت”
تجربـــة الحيـــاة والمـــوت
لم يكن الشعر العربي الحديث كله شعر يأس وغربة وضياع وقلق وسأم، فهناك أشعار تغنت بالأمل والحياة واليقظة والتجدد والانبعاث او مايسمى عند ريتا عوض بقصيدة الموت والانبعاث التي نجدها حاضرة في أشعار بدر شاكر السياب وخليل حاوي وأدونيس وعبد الوهاب البياتي. وسبب هذا الأمل والتجدد في أشعار هؤلاء التموزيين الذين تغنوا بالموت والانبعاث هو ماتم إنجازه واقعيا وسياسيا كثورة مصر و تأميم القناة ورد العدوان الثلاثي واستقلال أقطار العالم العربي والوحدة بين مصر وسوريا إلى غير ذلك من الأحداث الإيجابية التي دفعت الشعراء إلى التغني بالانبعاث واليقظة والتجدد الحضاري. ولم تستقل حقبة الأمل بفترة معينة، بل نراها تتداخل مع فترة إيقاع الغربة والضياع تعاقبا أو تقاطعا.
وقد استفاد الشاعر الحديث من مجموعة من الأساطير والرموز الدالة على البعث والنهضة واليقظة والتجدد،
وبعد، لقد أصبح الشاعر الحديث شاعرا يجمع بين هموم الذات وهموم الجماعة ، تميل رغبته الى الحياة والتجدد والانتصار على كل التحديات،
إن الصراع بين الموت والحياة في تجربة الشاعر الحديث يعني في آخر الأمر الصراع بين الحرية والحب والتجدد الذي يجعل الثورة وسيلته، وبين الحقد والاستعباد والنفي من المكان ومن التاريخ.” وعلى الرغم من مضامين الشعر الحديث الثورية، فإنه لم يتحول إلى طاقة تغييرية، بل نلاحظ انفصالا بين الشعر الحديث والجماهير العربية، والسبب في ذلك يعود حسب أحمد المعداوي إلى عامل ديني قومي، وعامل ثقافي، وعامل سياسي، ولكن أهم هذه العوامل حسب الكاتب تعود إلى العامل” المتعلق بتقنية هذا الشعر، أي بالوسائل الفنية المستحدثة التي توسل بها الشعراء، للتعبير عن التجارب التي سبقت الحديث عنها. فلا شك في أن حداثة هذه الوسائل حالت بين الجماهير، وبين تمثل المضامين الثورية لهذا الشعر.”



شكل في قصائد التيار الاحيائي
إذا كانت القصيدة الإحيائية تعتمد على امتلاء الذاكرة وتقليد النموذج، فإن التيار الوجداني قد استخدم لغة أكثر سهولة ويسرا من لغة القصيدة الإحيائية التي كانت تميل إلى رصانة اللفظ وجزالة الأسلوب وبداوة المعجم. بل تستعمل القصيدة الوجدانية لغة الحديث المألوف ولغة الشارع كما عند العقاد في الكثير من قصائده الشعرية كما أن الصورة الشعرية البيانية صارت تعبيرية وانفعالية وذاتية ملتصقة بتجربة الشاعر الرومانسي. بينما اقترنت الصورة الشعرية لدى الإحيائيين بالذاكرة التراثية مستقلة عن تجربة القصيدة الذاتية ، وغالبا ما تأتي للتزيين والزخرفة ليس إلا.
و” لقد أراد الشاعر الوجداني أن يجعل للصورة وظيفة أساسية، وأن تكون هذه الوظيفة نابعة من تجربته الذاتية، ومن رؤيته للحياة، و من خصائص الشكل في القصيدة الوجدانية الحديثة، هي خاصية الوحدة العضوية. حيث اراد الشاعر أن يربط العواطف والأحاسيس والأفكار ببعضها، ربطا من شأنه أن ينشىء روحا عاما يشيع في أجزاء القصيدة المختلفة، ويظهرها بمظاهر الكائن الحي، لكل عضو من أعضاء الجسد دور هام ومتميز، يحدده مكانه من الجسد.”
ومن القصائد الوجدانية التي تتمثل فيها خاصة الوحدة العضوية قصيدة “حكمة الجهل” لعباس محمود العقاد التي يحافظ فيها الشاعر على الرابط العضوي والمنطقي، لذا من الصعب أن يخل الدارس بتسلسل الأبيات تقديما وتأخيرا.
وتبقى هذه الوحدة العضوية موجودة ومرتبطة بالوجدان مهما اختلفت القوافي كما في قصيدة “الخير والشر” لميخائيل نعيمة أو تعددت الأوزان العروضية كما في قصيدة”المجنون” لإيليا أبي ماضي.
هذا، وقد مال الوجدانيون إلى تحقيق بعض الملامح التجديدية في أشعارهم كتنويع القوافي والأوزان، وتشغيل الوحدة العضوية في بناء القصيدة، واستعمال القصائد والمقطوعات المتفرقة، وتليين اللغة وترهيفها وإزالة قداستها البيانية ، وتوظيف القافية المرسلة والمزدوجة والمتراوحة، واللجوء إلى الشعر المرسل.
وعموما يؤكد المجاطي  على فشل التيار الاحيائي على صعيدي المضمون والشكل، أما المضمون فلأنه انحسر، في البكاء والأنين والتفجع والشكوى، وهي معان ممعنة في الضعف تفصح بوضوح عما وراءها من مرض وتهافت وخذلان. أما الشكل فلأنه فشل في مسيرته نحو الوصول إلى صورة تعبيرية ذات مقومات خاصة، ومميزات مكتملة ناضجة.
وهكذا، يحكم أحمد المعداوي على التيار الذاتي بأنه لم يأت بجديد يذكر على مستوى المضمون والشكل معا على الرغم من بعض المحاولات التجديدية ؛ لأنه بقي أسير النغمات الحزينة والمحاولات التجديدية المحتشمة التي كانت تهاب أنياب النقد العربي المحافظ.

الشكل في القصيدة الحديثة
استعمل الشعر الحديث شكلا جديدا يتجلى في استخدام الرموز والأساطير والصور البيانية الانزياحية، كما أن اللغة تختلف من شاعر إلى آخر، فالشعراء العراقيون الذين يمثلهم بدر شاكر السياب يستعملون لغة جزلة وعبارة فخمة وسبكا متينا وهناك من يخلخل اللغة الشعرية النفعية المباشرة ويستعمل لغة انزياحية موحية تنتهك معايير الوضوح والعقل والمنطق كما نجد ذلك عند الشاعر أدونيس والبياتي ومحمد عفيفي مطر وصلاح عبد الصبور، وهناك من يشغل اللغة الدرامية المتوترة النابعة من الصوت الداخلي،
وعلى مستوى الصورة الشعرية، فقد تجاوز الشاعر الصور البيانية المرتبطة بالذاكرة التراثية عند الشعراء الإحيائيين، والصور المرتبطة بالتجارب الذاتية عند الرومانسيين، إلى صور تقوم على توسيع مدلول الكلمات من خلال تحريك الخيال والتخييل وتشغيل الانزياح والرموز والأساطير وتوظيف الصورة الرؤيا وتجاوز اللغة التقريرية المباشرة إلى لغة الإيحاء
ولكن أهم خاصية شكلية يتسم به الشعر الحديث هو تطور الأسس الموسيقية،
بيد أن هناك من الشعراء من نسف عروض الشعر لينتقل إلى عروض القصيدة معتمدا على التفعيلة وتنويعها والتصرف في عددها حسب انفعالات التجربة الشعرية وتوقفها.
هذا، وقد التجأ الشاعر الحديث إلى تنويع البحور الشعرية داخل قصيدة واحدة، واستخدام البحور الصافية منها ، وتنويع القوافي والتحرر من القافية الموحدة التي تمتاز بالرتابة والتكرار الممل، ناهيك عن تفتيت وحدة البيت المستقل وتعويضه بالأسطر والجمل الشعرية التي تخضع للنسق الشعوري والفكري.
وشغّل الشاعر الحديث ستة بحور شعرية كالهزج( مفاعيلن)، والرمل( فاعلاتن)، والمتقارب( فعولن)، والمتدارك ( فاعلن)، والرجز( مستفعلن)، والكامل(متفاعلن)،
ومن الظواهر التي تم توظيفها في الشعر الحديث التنويع في الزحافات ، وتنويع الأضرب، واستعمال صيغة فاعل في بحر الخبب ، والاتكاء على التدوير والتضمين، وتنويع القوافي حسب النسق الشعوري والفكري مع استخدامها بشكل متراوح أو متعانق أو متراكب أو موحد أو متقاطع أو متراوح.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire