مقدمة : الشعر الحديث، بدا
رواده ونقاده ومريدوه يسهمون في ارساء قواعد هذه المدرسة التي عرفت بمدرسة الشعر
الحر، ومدرسة الشعراء التفعيلة، وكانت ارهاصاتها قد بدات مع منتصف القرن الماضي،
ويعد هذا الشعر الجديد تمرد على الاشكال والطرق الشعرية القديمة، وتجاوزا للعصور
الماضية، كما تتسم القصيدة الحديثة لوحدتها العضوية وواقعيتها الفردية التي لا
يمكن تفكيكها وترسخت هذه التجربة الشعرية بصورة رائعة في جميع البلدان بدءا (نازك
الملائكة والسياب والبياني) في العراق في الاربعينيات، ثم ما لبثت هذه الدائرة ان
اتسعت في الخمسينيات فضمت اليهم الشعراء المصريين آخرين مثل صلاح عبد الصبور واحمد
عبد المعطي الحجازي. اذن يعد (الشاعر) واحد من اهم شعراء هذا التيار الشعري ومن
اهم دواوينه ديوان(...) الذي اقتطفت منه هذه القصيدة.
سؤال: فهل استطاع في هذه
القصيدة ان يفي بالتزامات هذه التجربة الشعرية والى اي حد نجح في تكسير البنية
وتجديد الرؤية التي الفناها عند الكلاسيكيين وبعض الرومانسيين ؟
العنوان: ولملاحظة النص نقف
عند عنوان القصيدة (..) الذي هو(جملة اسمية، مركب اسمي، جملة فعلية) مركبة من
كلمتين، الأولى تشير إلى(..) والثانية تشير إلى(..) مما يعني ان العنوان يقودنا
الى واقع الشاعر المتقلب.
المضمون: ويمكن الوقوف على
جل ذلك من خلال استخلاص مضمون القصيدة :
حيث يستهل الشاعر قصيدته بابراز
معاناته من خلال التشخص والتجسيم والرمز فلم يعبر عنها صراحة ولكن ضمنا حيث نجده
يبدا قصيدته بـ(..)
خلاصة المضمون: ومن هنا نلحظ ان
جوهر التعبير في القصيدة هو ابراز معاناة الشاعر الحقيقية للواقع التي تعيشه
الانسانية المعذبة ومن ثم فالقصيدة تجربة انسانية تجسد وبحق تجديدا في الرؤية
الشعرية والتي اضحت تعبر عن قلق الانسان المعاصر يعانيها في حضارته وامته.
كما نلحظ تحقق واضح في الوحدة
العضوية حيث نرى ان حب الوطن والانتماء اليه يدفع الشاعر لدفع خطر المستعمر عن
بلاده، ووحدة الجو النفسي والتي تمثلت في الفاجعة والحزن لما آل اليه الوطن
الجريح.
الوحدة العضوية واللغة: وقد عمل السياب على
استكمال الوحدة العضوية باستحضار قالب جديد كليا لما اعتدنا عليه لدى الرومنسيين
او الكلاسيكين فحيث كانت العاطفة المسيطرة على الشاعر في القصيدة هي عاطفة الحزن
فان الشاعر وظف الفاظا توحي بما يعتمل في داخلها من الشعور بالحزن فاستخدمت الفاظا
توحي بالحزن العميق الرقيق مثل(احزان القلوب. الوادي الكئيب. الحان اساها. سرت
طيفا حزينا فاذا الكون حزين. من العود نشيج ومن الليل انين. ما انت سوى آهة
الحزن...)
اذ استخدم الشاعر لغة واقعية
سهلة الدال ايحائية المدلول مثل(..)، والحقيقة ان الغموض او الابهام اصبح ظاهرة
تغلف اروقة قصيدة معظم قصائد التجربة الشعرية الحديثة، وقد تنبه غير دارس لهذا
الملمح في هذا الشعر.
فقد اعتمد الشاعر لغة التجريد،
مع تركيزه على خاصية التاثير الشعري، مما جعل الشعر يغوص في غمار الغموض والابهام
الذي يشكل عائقا عن التواصل مع المتلقي.
الحقول: غير ان هذا لا يمنع
من ناحية اخرى من ادراك الحقلين المكونين للقصيدة :
الحقل الدلالي الدال عن
الاستعمار(..)"شر".
الحقل الدلالي الدال عن
الوطن (..)"خير".
خلاصة الجقول: ان وجود هذين
الحقلين يفصحان بشكل واضح على البعد الواقعي في القصيدة، والبعد الثوري الرافض للواقع
(الحزين، البغيض) من جهة اخرى فالقاموس الذي يوظفه الشاعر يغلب عليه الطابع (الحزن
والصبر والامل) لانه يعكس الذات المبدعة بكل صدق وانفعال عفوي.
الصورة الشعرية: هذا الانفعال الذي
تمكن الشاعر من تصويره تصويرا كليا وجزئيا لتوضيح الفكرة والتعبير عن المشاعر
فنجده يفصل الصور الكلية بصور جزئية تثري العمل الفني مثل (عيناك حين تبسمان) صورة
كلية فسرها بعدة صور جزئية مثل:(ترقص الاضواء كالاقمار في نهر، كانما تنبض في
غوريهما النجوم، وتغرقان في ضباب من اسى شفيف، كالبحر سرح اليدين فوقه المساء)
فنلاحظ تداعي الصور الشعرية فالصور تتوالد داخليا لتشكل حشدا هائلا من الصور
المبنية على التشبيه والتي تعد بمثابة اشعاعات تومض بصفة دورية.
كما ان الشاعر يقر بالاثر الذي
يتركه المطر في الانسان والطبيعة، فشبهه بعدة تشبيهات:
-- المطر كالدم المراق – المطر
كالجياع وكالاطفال وكالموتى.
وقد استخدم الشاعر بعض
المتناقضات (الطباق) للتعبير عما بداخله من احساس:
كالموت والميلاد، والظلام
والضياء، دفء وارتعاشة.
وقد استعان الشاعر بالرمز
فالطفل : رمز للمستقبل الذي يشير بالامل، والام : رمز للوطن، والصياد : رمز للشعب
اليائس الذي يصارع الحياة، والمهاجرين : رمز للمستعمرين الذين يغتصبوا ثروات
العراق.
الايقاع الداخلي والخارجي: اما من ناحية
الايقاع (فالشاعر) كره ان يضيع جهوده في اقامة هياكل شعرية معقدة - الرصانة الشديدة
منفردة للدهن العامل - ان الشاعر يجب ان اثبت فرديته - التي تتميز عن شخصية الشاعر
القديم - ان يستقل ويبدع بنفسه شيئا يستوحيه من حاجات العصر- يريد ان يتحرك ويندفع - يريد ان يحطم القيود.
بحيث اعتمد في ايقاعه الخارجي
على نظام التفعيلة كوحدة وزنية في القصيدة وعلى التنويع في القافية والروي
فالقافية تارة مقيدة مردفة: )النسيم....السليل( وتارة
اخرى مقيدة غير مردفة المطر...الحجر...السمر....والقافية مركبة
احيانا.....ومتتابعة احيانا اخرى اما الروي فمتغير لكن هناك رويان متميزان
هما(الراء والقاف)
- اما اليقاع الداخلي : فيبرز من خلال :
- التكرار الصوتي : ويعبر عن الحالة
النفسية والمشاعر الداخلية ويعكس مستويات الانفعال وهي هنا تشكل مجموعات من حيث
عدد تواجدها، المجموعة الاولى صوت النون والميم وهي الغالبة ثم المجموعة الثانية
الفاء والعين والسين والهاء والمجموعة الثالثة الصاد والقاف والحاء والخاء والجيم
والشين والغين.
- تكرار الكلمات : ويكرس
المعنى الدلالي الذي يرمز اليه الشاعر فنجد تكرار(الليل والشاطئ والموج).
الوظيفة
الدلالية التي يشكلها التوازي من خلال البيت الثاني عشر :
- تحقق
التوازي الصوتي مما يعكس تجاذب الشاعر بين مظهر الامل والحياة ومظهر
القلق والموت.
الاساليب:
كما تنوعت الاساليب في القصيدة بين الخبرية والانشائية التي توحي بالصراع المرير
والحزن فمن الاساليب الانشائية اكثر من النداء والاستفهام للتعبير عن الجو النفسي
الذي يعيشه الشاعر.
وبالنسبة
للاساليب الخبرية نجد الشاعر وفق في استخدام الجمل الاسمية التي توحي بالسكون
والهدوء ويعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها.
تركيب: عموما واستنادا الى
ما سبق يتضح على ان القصيدة خضعت في مجملها لتغيير شامل سواء من حيث القضية
المطروحة(البعد الانساني الواقعي) او من خلال اعتمادها على عناصر مستحدتة كاللغة
الايحائية والصور الفنية المبتدعة من خلال استيرادها للرموز والانزياح كما ان هذه
القصيدة قد نظمت ضمن الايقاع الموسيقي خلف ما اعتدنا عليه في القصائد التقليدية اذ
اعتمد الشاعر(..)على نظام التفعيلة وما والمها من تغييرفي القافية والروي.
غير ان ذلك يجعلنا نؤمن بان هذه
التجربة الشعرية حققت مختلف التجليات الحداثة في الشعر العربي ونحن نسجل اعجابنا بهذا العمل الادبي الا اننا نؤمن
بان التجربة الكلاسيكية وعلى خلاف ما ذكره المجاطي تحتفظ بطابع الجمالية من خلال
تقيدها بالاصول التقليدية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire